قصص

قصه ضل الخور

ازيك؟ عاملة إيه؟ أنا اللي حكيتلك قصة الخور من كام شهر، هبعتلك ملف فيه تفاصيل جلسة تحضير كنت عملتها، بس قبل ما تفتحي الملف اوعديني تقرئي اللي حصل معايا الأول؛ عشان الدنيا متدخلش معاكي في بعضها وتتوهي مني، وأتمنى انك مترجعيش تلوميني، عشان لجأت للطريق الأسود ده، صدقيني كان غصب عني، أنا كنت عايز ارتاح، بس والله ما كنت أعرف ان ده كله هيحصلّي…
جحيم، جحيم مابينتهيش، مش عارف أخرج من الدوامة اللي دَخّلتْ فيها نفسي، حاسس إني هاموت ف أي لحظة، بتمنى فترة الجيش دي تخلص النهارده قبل بكرة، بس في نفس الوقت مش عارف هو اللي انا فيه ده هينتهي معاها، ولا دي لعنة ومسكت فيا خلاص..
‏فاضلي ٢٣٠ يوم وكل يوم بيعدي وأنا لسه بعقلي فيه بحمد ربنا، أنا خايف خايف بجد، مش مجرد كلمة بكتبهالك..
أنا نزلت اجازة بعد أكتر من ٣٣ يوم، كنت مرمي في الصحرا ومطحون في الشغل، رجعت البيت وأنا بتمنى الوقت مايمشيش؛ لأني مش قادر أتخيل نفسي قادر أرجع المكان ده تاني، حاولت بكل الطرق إني افرغ الطاقة السلبية اللي كانت جوايا، خرجت وغيرت جو، وتفسحت وقابلت صحابي، عملت كل حاجة ممكن تخلي نفسيتي تبقى أحسن، لكن لما كنت برجع البيت، وأحط دماغي على المخدة شكل الضلمة بتاعة الخور، وإحساسي وأنا ماشي فيه مكانش تمام، الرعشة إياها كانت بتنهش في جسمي، كنت بغمض عينيا وأحاول مايبانش عليا حاجة؛ عشان أخويا اللي معايا في الأوضة مايلاحظش اللي أنا فيه ويروح يحكي لأمي وتقلق عليا، أنا تعبت بجد من كتر ما بمثل إني حد جامد ومش بخاف، أنا بني آدم من لحم ودم، والله وجودي الفترة دي في الصحرا خلاني أشوف اللي ماشفتوش في حياتي، بعد الشهر وكام يوم اللي قضيتهم في الجيش أجازتي كلها على بعضها كانت ٧ ايام، خلصوا خلاص وكان لازم أسافر، وصلت الخور بالليل..
دي أسوأ حاجة بتحصلي من يوم ما دخلت الجيش، إني أضطر أعدي الخور بالليل، كان معايا خمس عساكر جداد هينضموا للقاعدة عندنا، كنت خايف من جوايا، بس قدامهم ماكنش ينفع يبان خوفي ده..
الطريق كان طويل أوي، وكله ضلمة مفيش غير نور القمر، وممنوع نشغل كشافات الموبايلات؛ لأننا في منطقة عسكرية، أنا حافظ الطريق كويس، وقفت أول ما وصلنا لنقطة معينة، وقلت….
“السلام عليكم، أهل الدار الآخرة، أنتم السابقون ونحن اللاحقون”..
وقرأت الفاتحة، الشباب اللي كانوا معايا كانوا مش مستوعبين أنا بعمل إيه؛ لأن مفيش مقابر حوالينا، حد منهم سألني، فرفعت إيدي ناحية تبّة على جنب طريق الخور وقلت فيه مقابر هناك، لاحظت معالم الفزع على وشوشهم لما شاورت على التبة، وواحد تاني منهم قالي….
– هو فيه حد بيحرس المقابر دي؟
– لا مفيش، ليه بتسأل؟
عايزهم يعيّنوك تحرسها في فترتك!
شاورلي وماكنش قادر ينطق، زميله قالي….
– بص وراك كده..
قلت إيه اللي هيكون موجود!
والكلام وقف علي طرف لساني، ماكنتش مستوعب إيه ده، أو بمعنى أصح مين ده؟
ماينفعش يكون حد في المكان ده أصلًا، بس كان فيه واحد واقف مش باين منه ملامح؛ لأن التبة كانت بعيدة عننا شوية، بس هو كان طويل ورفيّع، بصيت للشباب وقلتلهم: متقلقوش أنا معاكم، وحافظ المنطقة كلها، بس لازم نطلع نشوف مين ده؟ وإزاي دخل هنا عشان نأمن نفسنا من أي مسؤولية…
بدأنا نطلع التبة، هما كانوا ٣ تبّات فوق بعض، المقابر كانت علي التبة الأولى، كنا بنتحرك في اتجاه الشخص اللي واقف وبننادي عليه، بس هو ماكنش بيتحرك خالص من مكانه، ولا بيدي أي رد فعل، لحد ما قرّبنا منه أوي، والمسافة بقت بينا مفيش، فجأة اختفى كأنه ماكنش موجود أصلًا، فضلنا نلف وندور على التبة عشان نلاقيه، بس كأنه فص ملح وداب، نظراتهم كانت راعباني أكتر ما أنا مرعوب بس حاولت أتماسك، نزلنا من على التبة، وأنا جسمي كله بيتنفض، لبست الجاكيت بتاعي عشان شكلي أخدت برد، ماحدش فيهم كان بينطق، بس طول الطريق كان فيه حد ورانا بيحدفنا بحصى صغير، ولما كنا بنبص ماكناش بنلاقي حد، الموضوع كان مرعب جدًا، مهما كنت متعود على المشي في الخور بالليل كان فيه حتة جوايا عايزة تاخد الطريق جري لحد العنبر عشان أحس بالأمان ولو شوية.
وصلنا القاعدة ودخلنا بلّغنا القيادة بالغريب اللي شفناه على التبة؛ عشان نخلي مسؤوليتنا من أي حاجة ممكن تحصل ونتعك فيها، وطلع قرار فوري من القيادة بتمشيط المنطقة وتفتيشها،
أمرونا نفضل في المكتب لحد التمشيط مايخلص، عارف يعني إيه تيجي من سفر ١٣ ساعة عشان توصل مكان خدمتك، وتقعد في أوضة على كرسي متذنّب، ومستني أمر يا تروح عنبرك يا…
دخل القائد وبلغنا إن صدر قرار بمعاقبتنا كلنا؛ عشان بعد تمشيط المنطقة اللي أخد أكتر من ساعة مالقوش حاجة، كنا بنبص لبعض باستنكار، احنا تقريبًا غلطنا لما قررنا نبلغ باللي شفناه، أخدنا عقاب محترم.
وفي يوم كنت مخلّص شغلي متأخر، كانت الساعة تقريبًا داخلة على ٢ الفجر، نزلت العنبر واترميت على السرير بتاع زميلي، أصل هو نزل أجازة وأنا سريري فوق، بس مش قادر أطلع.
كنت واقف في الخور لوحدي، والدنيا من حواليا كانت عتمة جدًا، حتى القمر ماكنش موجود، والنجوم كانت في الليلة دي بعيدة أوي، ونورها ضعيف جدًا صعب يوصل لأرض الخور، كنت سامع صوت طبل كتير حواليا في كل مكان، طبل آه عارف الطبل اللي بيبقي في الزار، كان هو ده، وكل ما أتحرك صوت الطبل يقف، وأحس بحد ماشي ورايا، ولما أقف صوت الطبل يظهر، وأحس بحد بيلف حواليا، كنت حاسس إن دماغي هتنفجر، حاولت أركز في الضلمة من حواليا، عشان أعرف بيحصلي إيه بس؟
الطبل كانت حدته بتزيد، اتكومت على الارض، وحطيت إيديا على وداني، بس الصوت برده كان مسموع، وبيقرّب مني، بيقرب أوي، الدنيا كانت بتلف بيا، والأرض اللي قاعد عليها كنت حاسسها بتميل، فجأة حسيت إني ماعدتش قادرة آخد نفسي، بدأت أكح جامد، ومرة واحدة فتحت عينيا، واتنفضت من على السرير مع رنة المنبه.
خلصت شغلي، وكان عندي راحة في النص كده ساعة، فقررت أنزل أنام، طول الساعة كنت باتقلب في السرير، مش عارف أهدى ولا قادر أغمض عيني، كنت حاسس إن فيه عيون بتبص عليا، لما زهقت شديت الجاكت، وسبت العنبر، وطلعت المكتب؛ وقفت قدامه وولعت سيجارة، كنت بحاول أطرد الخوف اللي جوايا مع دخان السجاير، بس ده كان حلم بيتحقق لما بادفن نفسي في الشغل وسط الملفات اللي مفروض تتراجع، وتدخل علي السيستم، وأول ما أخلص شغل وأنزل العنبر، كل اللي نسيته تحت ضغط الشغل بيرجع تاني، كنت بحس أوقات إن الخوف اللي جوايا عامل زي الوحش اللي بيستني أبقى لوحدي؛ عشان يستفرد بيا ويخلص عليا.
كان فيه ضل أسود بيتحرك جنبي وأنا نايم، وصوت خروشة تحت السرير، احنا في صحرا يعني وارد يكون فيه عقرب أو أي حاجة، اتحركت بهدوء وحذر، ودوّرت تحت السرير مالقتش حاجة، قلبت الأوضة كلها ماكنش فيه حاجة، وأول ما قعدت على السرير وفردت ضهري حسيت بقرصة جامدة طلعت من عيني، قمت من النوم مخضوض وحاسس بوجع، دوّرت في السرير ماكنش فيه حاجة، فدخلت الحمام ووقفت قدام المراية اللي متعلقة فيه، كشفت ضهري وبصيت علي انعكاسه في المراية، ضهري كله كان أحمر، لمحت ضل طويل ورايا في المراية، فبلعت ريقي وسحبت التيشيرت وغطيت ضهري، وبصيت ورايا وأنا مرعوب مالقيتش حاجه، بصيت في المراية تاني كان الضل اختفى، أخدت بعضي وخرجت من الحمام جري، معرفش إيه اللي بيحصل؟
بس أنا ماكنتش ناقص رعب.
كوابيس، نومي بقى عبارة عن سلسلة كوابيس مابتنتهيش، ومع كل كابوس باكتشف أذى في جسمي، كأنه عقاب، بس مش عارف على إيه؟
ولا إيه حكاية الضل اللي بيطلعلي ده كمان؟
أنا تقريبًا كنت مقتنع إني قرّبت أتجنن، ماهو كل الناس اللي في العنابر التانية مكانتش بتشوف حاجة ولا بتسمع حاجة، كنت بابقى قاعد في وسطهم، والرعشة تجيلي أعرف إن فيه حاجة في المكان، بقيت متعود بقى بس السؤال اللي كان مغلبني أنا ليه دلوقتي باتأذي؟
بقالي ٨ شهور تقريبًا هنا، ماتأذتش جسديًا غير الفترة دي وبس، في مرة كنت نايم وقلقت، فقمت عشان أدخل الحمام لمحت الضل عند باب الحمام، فرجعت الأوضة وفضلت قاعد على السرير، ماكنتش قادر أغمض بس كنت مركز على باب العنبر، عشان لو الضل دخل، قال يعني باعامل الضل على إنه هيغلب، ولازم يدخل من الباب زي أي بني آدم، انا اتهبلت والله خلاص، بقيت عارفة إن في يوم من الايام القيادة هتسلمني للعباسية، وهناك هاقضي اللي فاضل من حياتي…
عارف لما أسوأ كوابيسك يتحول لحقيقة، ويبقى مطلوب منك تواجهها، أنا الضل كان بالنسبالي كده، حاجة بتزورني في كوابيسي وفجأة قررت تقتحم العالم الحقيقي بتاعي، كنت باشوف الضل تحت ترابيزة المكتب وأنا قاعد بشتغل، وكنت باشوفه على باب المكتب، وأوقات واحنا بناكل كان بيبقى جنبي..
وفي ليلة قررت أحط حد لكل اللي بيحصلي، أخدت كوباية الشاي والسيجارة، وقعدت قدام المبني اللي بشتغل فيه، قررت إني مانزلش العنبر وهاقعد هنا شوية، لاحظت إن صوت الطبل ظهر حواليا تاني، حاولت ابان هادي، كل أما كنت بتجاهل الصوت كان بيضعف ولما بأركز بيعلى، دماغي كانت هتنفجر كأن في حد ماسكها وبيضغط عليها، كل حاجة قدامي كنت شايفها طشاش، رميت السيجارة، على الأرض وطفيتها برجلي، وركنت كوباية الشاي…
رجلي خدتني للعنبر غصب عني، وقفت قدام السرير، بقاوم اني اترمي عليه، فجأة حسيت بخبطة جامدة علي دماغي من ورا، والدنيا ضلمت في عنيا…
إيديا كانت مربوطة مع بعضها بسلاسل، ورجليا فيها جنازير كبيرة مانعاني أمشي، كان الطريق قدامي طويل، وفي صوت ورايا بيقولي “عدي الخور يلا بسرعه، لو عديت في خلال ٧ دقايق هتعيش، ولو اتأخرت عن كده هتموت”..
كنت سامع صوت عقارب الساعة وأنا ماشي باجر الجنازير ورايا، مع كل دقيقة بتخلص كان تقل الجنازير بيزيد، لحد ما بقيت مش قادر أتحرك من مكاني، فوقفت وصرخت بعلو صوتي، وفجأة نزل قلم جامد على وشي، لفيت وشي وبصيت بغضب لقيت حد بيشدني من هدومي.
*******
فتحت عينيا وأنا مصدوم، القائد بتاعي بنفسه كان واقف قدامي بيحاول يفوقني، بصيت في الأرض واعتذرتله، كانت نظراته ليا غريبة، طلب مني أفوق، وأحصله على المكتب بسرعة.
ماخدتش ثواني وكنت في مكتبه وواقف قدامه، بصلي وقالي: “متأخر عن معادك ساعة ونص، وللأسف مش قادر أعاقبك فهابعتك مشوار تقيل؛ عشان تتعلم تلتزم بمواعيد الراحة، وترجع شغلك في ميعاده.
بعتني نقطة التفتيش اللي برة الخور أسلم ورق؛ عشان هيسافر مع عسكري نازل أجازة ومستني هناك، أخدت الورق من القائد، ونزلت جري على العنبر، شلت الموبايل من على الشاحن، وكان معايا مرايا صغيرة، حطيتها في جيب الأفارول، الساعة كانت داخلة على تسعة ونص تقريبًا، الوقت اللي هاخده وأنا رايح بتاع ساعتين ونص وزيهم وأنا راجع، ف ربنا يستر.
كنت ماشي في الخور حاسس إني مش لوحدي، فيه حد بيتنفس جنبي، الإحساس ده كان راعبني، كل ما أتلفت حواليا مالاقيش حاجة، لحد ما اتخايلت فعلًا بجسم أسود ورايا، وأنا بابص بطرف عيني طلعت المراية، أيوة أنا أخدتها عشان كده هي اللي هتكشفلي إيه اللي بيحصل بالظبط ورايا، فضلت ماشي وأنا فاتحها وبابص فيها بس ماكنش فيه حاجة ظاهرة ورايا في الأول، لحد ما لمحت حاجة سودة بتعدي الطريق وفعلًا مشيت ورايا، أنا ماكنش بيتهيألي، حسيت فجأة إني باتخنق، كنت باتنفس بصعوبة وأحاول مابينش إني خايف أو متوتر مع إني كنت باترعش من جوايا.
كان ورايا نفس الضل الأسود إياه اللي شفته مع العساكر عند المقابر على التبة، عيني كانت شوية على المراية وشوية علي الطريق لحد ما وصلت، وسلمت الورق وبدأت رحلة الرجوع.
كنت باسأل نفسي: يا ترى هارجع زي ما جيت ولا هاشوف اللي عشته في كوابيسي بيتحول لواقع فعلًا قدامي، فضلت طول الطريق وأنا راجع أقرأ اللي كنت حافظه من القرآن بس كان فيه حاجة بتزاولني، نور بيظهر وفجأة يختفي، نار تكون والعة قدامي وأول ما أقرّب تنطفي، والحصى..
كان فيه حد بيحدف عليا من ورا حصى، طلعت المراية وبصيت فيها بس ماكنش فيه حاجة!
أخدت نفس جامد وقررت أعمل عبيط وماهتمش بحاجة من اللي بتحصل لحد ما أوصل القيادة جوه، بس مش دايمًا كل اللي بنخطط ليه بينجح، سمعت صوت همهمة جنبي، حد كان بيردد حاجة مش عارف أجمعها ولا أفهم حاجة منها، حسيت إن حد بيشدني لورا مع كل خطوة ليا، فأخدت جنب في الطريق ووقفت.
******
غمضت عينيا وحاولت أستجمع قوتي، ومع أول خطوة لما فتحت عينيا عشان أرجع للطريق لقيتني في وسط الصحرا، بعيد عن الخور والطريق والقاعدة ونقطة التفتيش، كل اللي حواليا كان رمل وبس..
كنت بلف حوالين نفسي وأنادي على صحابي بالاسم يمكن يسمعوني، جريت هنا وهناك، بس ماكنش فيه حواليا حاجة غير الرمل، الجو كان برد أوي، خلاص ماعدتش قادر أتحرك من مكاني، قعدت في الأرض ولفيت الجاكت عليا، جسمي كله كان بيترعش، كنت بافكر إني لو مت هنا دلوقتي ماحدش هيعرف ولا هيسمع عني حاجة، القيادة هتفكر إني هربت من الفترة اللي فاضلالي في الجيش وخلاص.
صوت الزار ظهر فجأة، بس المرة دي كان الضل الأسود بيلف في دايرة حواليا، جمعت اللي فاضل من طاقتي لما حسيت إني كده كده ميت، ووقفت وصرخت فيه بصوت عالي، وساعتها كل حاجة سكتت والدنيا ضلمت، ضلمت أوي لدرجة إني ماكنتش شايف إيديا وهي قدامي، حسيت إن الأرض بتتهز تحت رجلي، وإن فيه حاجة خبطت جسمي.
********
كان فيه نور بيقرّب مني بسرعة وفجأة وقف قدامي، سمعت صوت حد بينده وبيقرّب، حد مد إيده وهزني، فتحت عينيا بضعف، كان القائد بتاعي التاني اللي لسه راجع من الأجازة، ماهو أنا هنا ليا كذا قائد، أخدني معاه ودخّلني القاعدة، وهناك طلبلي أجازة بنفسه وأمرني أروح البيت وأستريح.
بس أنا قررت أفضل للصبح مش هسافر دلوقتي أكيد، ولما صحيت نزلت للقائد وسألته هو لقاني فين؟
كان عندي فضول أعرف إيه اللي حصل؛ لأني ماكنتش فاكر حاجة، ضحك وقالي إنه شافني مغمي عليا في جنب الطريق، وكنت بخرف من شدة البرد.
إجابته وضحكته كان فيهم حاجة مش عادية وماتطمنش، بس ماكنش بإيدي حاجة، مش هستجوب رتبة أعلى مني، ظبّطت حاجتي ومشيت.
أول ما دخلت البيت أمي استغربت؛ لأن أجازتي كانت بعد أسبوع، لاحظت إن وشي أصفر وخاسس، فجريت عليا وأخدتني في حضنها وطبطبت عليا، طمنتها إني كويس ومافيش فيا حاجة، ودخلت أخدت شاور واترميت على سريري، ماكنتش عارف أنام، فضلت قاعد على الوضع ده يومين، يومين كاملين مش بنام ولا باكل، بابص للسقف وحاسس إن دماغي مش بتفصل.
دخلت عليا في اليوم التالت، وطلبت مني أروح معاها نشتري الطلبات لأن أخويا في شغله، عشان أثبتلها إني كويس لبست ونزلت فعلًا معاها، دخلنا محل كله بخور وسبح، شاورت للراجل العجوز اللي كان قاعد على المكتب فقام وجالها ووشه بيبتسم، كان واضح إن فيه بينهم معرفة، بس أنا ماكنتش أعرفه غير لما قالتلي…
– ده عمك ياسين، كان صاحب والدك الروح بالروح.
فعلًا كان شكله راجل طيب أوي وبركة كده، كملت كلامها وقالتله…
– ده ابني اللي حكيتلك عنه امبارح، زي مانت شايف كده، حاله اتبدل وجسمه نزل ومابقاش ينام خالص، وكل ما اسأله يقولي انه كويس، بيكدب عليا أنا عارفة.
إحساس الأم مش بيخيب ابدًا، عم ياسين طبطب عليا، وقالها…
– طيب روحي انت مشاويرك وسيبيهولي.
فضلت باصص لأمي وهي ماشية لحد ما اختفت، وبعد كده حطيت وشي في الأرض، فقالي….
– احكيلي إيه اللي صابك يا ابن صابر، وماتخبيش.
– أوقات فيه حاجات ماينفعش تتحكي، هي بتتقال في القصص واللي بيسمعوها مابيصدقوش.
– بطّل كلام المدارس ده، وقولي شوفت إيه؟
اتصدمت هو إزاي عرف إني شفت حاجة، أمي نفسها ماتعرفش؛ أنا ماحكيتش لحد حاجة خالص.
– هتفضل مبلّم كتير، فاكر إن أمك جايباك هنا عشان نتأمل في بعض، انطق يا ابني، سكوتك ده مايبشرش بخير.
كنت متردد وأنا بحكيله، بس بعد كام دقيقة لقتني اطمنتله وحكيتله كل حاجة بالتفاصيل، وهو ملامح وشه كانت بتتغير مع كل موقف وقالي….
انت مبتقولش دعاء دخول الخلا يا ابني؟
– بقوله طبعًا، هو ده حد ينساه!
– بتقوله فين؟
– وأنا داخل الخلاء.
– تقصد أي خلاء يا ابني؟
– الخلا اللي هو الحمام.
– الخلاء هي الأماكن اللي مفيش فيها ناس، زي الصحرا والكهوف والخور.
بلعت ريقي، ورددت وراه كلمة الخور بخوف، فقالي…
– آه يا ابني، الدعاء بتاع دخول الخلاء ده بيحجب بينك وبينهم، لكن انت مابتقولهوش، فبيحصلك عكوسات.
– طيب والحل يا عم ياسين؟
– هارقيك وأقولك على كذا حاجه تعملها.
طلب مني لو شفت حاجة أتجاهلها، وماركزش معاها لأن لما باركز معاها بتتشد ليا.
مش هانكر إني اتحسنت شوية بعد ما عم ياسين رقاني وبقيت أنام وأنا مشغل القرآن، قبل ما أسافر أمي بعتت أخويا جابلي راديو صغير، ودعتهم وأنا المرة دي مطمن، ورامي حمولي على الله ومتعشم فيه خير..
وصلت الخور الساعة خمسة الفجر، كنت حاسس بالبرد وأنا ماشي فيه، لكن المرة دي ماكانش فيه حاجة غريبة، وصلت واستلمت شغلي والدنيا مشيت معايا عادي أول أسبوع وبعد كده الحال اتقلب، الوضع بقى أسوأ، ماكنتش فاهم إيه اللي بيحصل، وإزاي الدنيا باظت كده!
كنت عاوز أوصل لعم ياسين بأي طريقة، لكن همزة الوصل اللي بيني وبينه كانت أمي، طول الأسبوع هي اللي بتطمنه عليا وبتوصلي سلامه، مش عاوز أقلقها بس الضل فعلًا بدأ يؤذيني، كنت بحس أن حد بيحاول يخنقني وأنا نايم بالليل، وبالنهار كنت بشوف الضل أول مادخل العنبر في كل مكان حواليا.
لما العسكري اللي معايا نزل أجازته بقيت بجد بخاف أدخل العنبر، باسمع صوت كركبة بالليل وأقوم مفزوع مالاقيش حاجة، ده غير الأصوات اللي كنت باسمعها، وفي ليلة كان الشغل عندي خفيف نزلت بدري العنبر، حطيت موبايلي على الشاحن وقعدت أفكر ف اللي بيحصلي، حسيت إني مخنوق ولقيت القائد بيرن عليا، طلب مني وقتها أنزل مع العساكر اللي نازلين أجيبله طلب من المدينة اللي قبلنا بـ٤٧ كيلو، وفعلا نزلت رغم إن المكان بعيد كانت الدنيا هناك غريبة أوي عليا، حتى الناس اللي فيه ماكانوش شبهنا، لبسهم ولهجتهم غريبة، عانيت على ما وصلت للحاجة اللي كانت مطلوبة، وقبل ما أسيب البلد دي وأمشي ساعتها نطت فكرة مجنونة في دماغي، وقررت أدور على حد يرقيني هنا زي عم ياسين.
وبعد ساعة ونص بحث بين الدكاكين، دلوني علي واحد اسمه عباس، وصلت لبيته وقبل ما أخبط فتحلي ولد صغير بتاع سبع سنين الباب وقالي: عباس مستنيك، دخلت وأنا جسمي بيتنفض، قعدت قدامه وقالي بالنص…
ليه تجرى ورا حاجة مفعولها مؤقت، طالما بإيدك تعرف السبب.
– تقصد إيه؟
– مش انت جايلي أرقيك!
مابقتش باستغرب، أكيد الراجل ده مخاوي.
– آه، زي ما بتفكر بينك وبين نفسك كده، أنا مخاوي وفي إيدي أجاوبك علي كل اللي بيدور في بالك.
– الضل!
– قرين هايم، لو عاوز تعرف حكايته ممكن أحضرهولك بنفسه يحكيلك.
– أنا، أنا مش…
– بلاش تخاف، يمكن تلاقي عنده إجابة تهدي بيها نفسك وتعرفك مين اللي بيجري وراك.
كنت خلاص جبت آخري، أنا فعلًا عايز أعرف ده ضل مين وليه بشوفه أنا، شاورتله براسي وبدأ جلسة التحضير، وعرفت كل حاجة حصلت للضل زمان لما كان بني آدم، كان اللي بيحكي حاضر على الطفل الصغير..
خرجت وأنا مرعوب من اللي عرفته في جلسة التحضير دي، رجعت الخور ومنه على القاعدة، سلمت طلب القائد ونزلت العنبر، شديت عليا الغطا وكنت بترعش، اللي عشته ماكنش هين، واللي عرفته كان أسوأ حاجة ممكن أتمنى إني أعرفها أو حد يحكيهالي.
في نفس الليلة صحيت على صوت خبطة جامدة لقيت باب العنبر بيتقفل عليا، جريت وحاولت أفتحه، لكن ماعرفتش ف قعدت وراه ودفنت راسي بين رجليا، الله يخرب بيت الفضول هو اللي وصلني لكده، النور قطع في العنبر، دورت على الراديو عشان أشغله بس مالقتهوش.
وسمعت صوت نفس ورايا، وحد بيقولي…
– اهدى ماتخافش، أنا بس كنت عاوز أوصل ليك، وانت لما رحت لعباس فتحتلي الباب.
بقيت ألف في الضلمة حوالين نفسي لحد ما اتخبطت في حرف السرير ووقعت، فضحك وقالي….
– قلت اهدى، أنا مش هأذيك، لو كنت عاوز كنت أذيتك من زمان.
– أنت مين؟
– عزيز، أنا بمعني أصح قرين عزيز اللي أنت سمعت حكايته، بس للأسف اللي قالها ماحكاهاش كاملة.
– نعم! تقصد إيه؟
– عباس حضر جن عادي، واتكلم على إنه أنا وحكالك اللي كان عاوز يوصلهولك؛ لأنه عارف إني هفضحه عن طريقك.
– تفضح مين؟
– أفضح عباس.
– ليه؟
– عشان عباس هو نفسه الساحر اللي اتحكالك عنه في قصتي.
– تقصد إنه كان بيتوهني، عشان ماوصلش للحقيقة.
– آه، طول عمره غبي، فاكر إني صفحة هيقدر يطويها بسهولة كده، أنا وراه لحد ما أوقعه.
كنت حاسس إن دماغي هتضرب، أو هي للأمانة ضربت، إيه اللي أنا فيه ده؟!
– أنا عايزك تساعدني.
– أساعدك إزاي؟
– هثبتلك إني مش باشتغلك، وهحميك وأبلغك بأي حركة ليه قبل ما يؤذيك.
– يؤذيني؟ ليه!
– عشان أنت الوحيد اللي قدرت أتواصل معاه، وانت اللي هتفضح كذبه وزيفه.
– هو مش أنت اتحديته وموّتك؟
– لا عباس كذاب، اللي حصل غير كده، أنا كنت أعرف عباس من زمان أوي قبل مااتشهر، هو اللي عملي حجاب والدنيا احلوّت معايا بعد كده، وكان بياخد فلوس مني دايما، بس هو طمع…
اتفقنا نعمل نمرة على الناس، طلعت أنا وهو على الهوا، ومثلت إني مستضيفه عشان أفضحه وكدا، والحلقة وقتها عملتله دعاية وشغل جامد، لدرجة انه اتجرأ وفكر يخلص مني، عشان خاف أهد له امبراطورية الساحر اللي بناها في الوقت ده، فخطط لكل حاجة وفعلًا قتلني، ظبط كل حاجة، كان تخطيط معلم، موتني ودفني في الصحرا….
– مطلوب مني إيه؟
– حاجتين لو عملتهم هترجع حياتك طبيعية جدًا..
– إيه هما؟
– الأولى: هاعرفك المكان اللي عباس دفن جثتي فيه وتبلغ عنه، وتطلب منهم قبل مايدفنوني يطلعوا السحر اللي مدفون في بطني، أنا جثتي لحد دلوقت ماتحللتش.
– والتاني؟
– هتحكي اللي حصل، هتقول إن عزيز كان شيطان مش مذيع جدع، هتعتذر للناس بالنيابة عني إني تاجرت بأحلامهم وآلامهم، تطلب منهم يسامحوني، وتحكيلهم الحكاية من أولها لآخرها.
– حاضر.
– على فكرة، عباس كان مسلط جن على القائد بتاعك، وهو اللي خلاه يبعتك للبلد اللي قابلته فيها، مفيش حاجة بتحصل صدفة عند عباس..
أنا ماكنتش مستوعب كمية الفُجْر اللي وصله عباس ده.
تاني يوم الصبح بلغت القيادة بمكان القبر اللي قرين عزيز دلني عليه وقلت إني اكتشفته صدفة، وفعلًا رحت معاهم ولقوه، وطلبت منهم وهما بيشرحوا الجثة يخرجوا العمل اللي مدفون في بطنه، كان القائد واقف جنبي مش مستوعب عرفت ده كله منين!
بس ماكنش ينفع أحكيله اللي حصل..
تاني حاجة قررت أكتبلك كل اللي حصل، انتِ هتعرفي توصّلي للناس الحكاية أحسن مني، آخر حاجة قرين عزيز بلغني بيها إن الساحر عباس عرف إنهم خرّجوا جثة عزيز وفكوا الأعمال اللي كانت مدفونة فيه..
أنا عارف إن كده حياتي في خطر، عباس مش هيسكت، وقرين عزيز أول ما عزيز يندفن مش هيبقى فيه بيني وبينه أي اتصال، مش قولتلك في الأول إن حياتي اتحولت لجحيم، الكام يوم اللي فاتوا كنت باخلص شغل وأنزل العنبر أعيّط من الخوف، حاسس إني هاموت قريب، قريب أوي…
لما قرأت الرسالة الطويلة دي مش هانكر إني حسيت بالخوف، واترددت إني أكتب القصة وأنشرها أصلا، إذا كان هو مش قد عباس هابقى قده أنا!
حاولت أدخل أكونت صاحب الرسالة كان متعطل والماسنجر هو اللي شغال بس، رنيت عليه كذا مرة وبعتله كذا رسالة ماكنتش بتوصل، ماعرفش عباس فعلًا اتخلص منه، ولا لو ربنا مد في عمره لما ينزل أجازة هيكلمني يحكيلي اللي حصل بعد كده.
تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى